تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية: تواصلٌ أم تباعد؟

مقدمة: ثورة الاتصال وتحوّل العلاقات
منذ بداية الألفية الثالثة، أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي تحوّلًا جذريًا في طريقة تفاعل البشر، إذ باتت العلاقات تُنسج بخيوط رقمية تتجاوز الزمان والمكان، لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة هو: هل قرّبتنا هذه الوسائل حقًا، أم أنها خلقت وَهْمَ القرب في عالم تملؤه العزلة الخفية؟
وسائل التواصل الاجتماعي: بوابة للتقارب السطحي؟
لم يعد التفاعل الإنساني حكرًا على اللقاءات الواقعية؛ فالفيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، وسناب شات وغيرها من المنصات…، أعادت تشكيل مفهوم الصداقة والتواصل، لكن هذه الأدوات، رغم ما تتيحه من سرعة وانتشار، كثيرًا ما تقود إلى نوع من التقارب السطحي، حيث تختزل العلاقات في إعجابات وتعليقات لا تعبّر بالضرورة عن عمق حقيقي في الفهم أو التواصل العاطفي، في غالبية الأحيان تكون علاقات استهلاكية عابرة.
الانعزال خلف الشاشات: الوحدة في زمن الاتصال
تشير دراسات حديثة إلى أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة مشاعر الوحدة والقلق والاكتئاب، خصوصًا بين فئة الشباب، فالمستخدم يجد نفسه جزءًا من مجتمع افتراضي ضخم، لكنه قد يفتقد للحضور الإنساني الحيّ والداعم في محيطه الواقعي، وهذا ما يجعل الشخص يشعر بالوحدة والانعزال المستمرين.
العلاقات الأسرية: بين التقارب والانشغال
على المستوى الأسري، لعبت وسائل التواصل دورًا مزدوجًا، فمن جهة، ساهمت في ربط العائلات البعيدة جغرافيًا، لكنها من جهة أخرى أصبحت سببًا مباشرًا في تراجع جودة التواصل اليومي بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث ينشغل كل فرد بعالمه الرقمي على حساب الحضور الفعلي.
بل أكثر من ذلك، في لم تعد العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة كما كانت، حيث كانت تجتمع العائلة وتتبادل أطراف الحديث، أضجى اليوم كل فرد من العائلة ينزوي في ركن أو زاوية مع هاتفه النقال الذكي، وبالتالي أصبحنا نتحدث عن هشاشة في تلك العلاقة.
الفرص الممكنة: استخدام إيجابي وموجّه
رغم كل ما سبق، لا يمكن إنكار الجوانب الإيجابية لمنصات التواصل حين تُستخدم بوعي، فهي تمكّن من بناء شبكات دعم، وتوسيع المدارك، وتعزيز الحوار الثقافي والفكري، فالمطلوب إذًا هو إعادة التوازن، وتبنّي وعي رقمي يجعل من هذه الأدوات وسيلة للبناء لا للهدم.
خاتمة: نحو تواصل إنساني حقيقي
في النهاية، تبقى وسائل التواصل الاجتماعي مجرد أدوات، ونحن من نُحدّد تأثيرها والمكانة التي تحتلها في حياتنا، وبين أن تكون جسورًا للتلاقي أو جدرانًا للعزلة، يظل الخيار في أيدينا.
” الكلمة دواء … وترياقنا ثقافة “