البطالة بين الشباب : الأسباب والحلول الممكنة

مقدمة: شبح البطالة في وجه الشباب
في زمنٍ أصبح يعرف انفجارا في المعرفة والتكنولوجيا، لا تزال البطالة تفرض نفسها كواقع مرير يُلاحق ملايين الشباب، خصوصا في الوطن العربي، وهي ليست مجرد غياب فرصة عمل، بل ظاهرة متعددة الأبعاد تمس الاقتصاد والجانب النفسي للأفراد والمجتمع في آنٍ معًا، فما النمو الديموغرافي المطرد، وارتفاع خريجو الجامعات كل سنة من حملة الشواهد العليا، وأمام ندرة فرص العمل، بل بالأحرى وجود مشاريع استثمارية تغلق فرص الشغل، باتت أرقام البطالة مهولة تهدد اقتصاد مختلف الدول العربية.
فما المقصود بالبطالة؟ وما هي أبرز أسبابها؟ وهل توجد حلول للحد منها أو على الأقل تقليص نسبها؟
أولًا: ما البطالة؟
تعني البطالة ببساطة وجود أفراد قادرين على العمل، ويرغبون فيه، لكنهم لا يجدون فرصة مناسبة، وتُعد البطالة بين الشباب الفئة الأخطر، لأنها تُهدد طموحات الأجيال الجديدة وتُضعف ثقتهم في النظام الاقتصادي والاجتماعي.
ثانيًا: الأسباب الكامنة وراء البطالة
-
الفجوة بين التعليم وسوق العمل :
العديد من النظم التعليمية لا تُواكب التطورات الحديثة ولا تُهيّئ الطلاب لمتطلبات سوق العمل المتغير، فالشباب يحصل على شهادته في تخصص ما، لكن سوق العمل يكون الطلب فيه على تخصصات أخرى مغايرة لتلك التي تحصل عليها، وبالتالي يجب أن يكون هناك توازن بين العرض والطلب، بين التخصص المُدَرَّس، ومتطلبات السوق.
-
النمو الاقتصادي غير المتوازن :
في بعض الدول، لا يُواكب النمو الاقتصادي الزيادة في أعداد الخريجين، ما يؤدي إلى محدودية فرص العمل، وهذا يشكل حجز عثرة أمام ولوج الخريجون إلى سوق الشغل، والتمكن على الأقل من الحصول على تجارب أولى في العمل، فضلا عن الحصول على أجر.
-
الاعتماد المفرط على التوظيف الحكومي :
كثير من الشباب يركّزون على الوظائف الحكومية بسبب الأمان الوظيفي، مما يزيد من الضغط على هذا القطاع ويُهمل القطاع الخاص، وذلك بالرغم من أن التدرج في مناصب المسؤولية في القطاع الخاص يكون أسرع وأكثر مرونة مقارنة بالقطاع العام.
-
ضعف المبادرات الريادية :
قلة الدعم المالي والإداري للشباب الراغبين في تأسيس مشاريعهم الخاصة يُسهم في تفشي البطالة، وذلك بحكم التعقيدات البيروقراطية التي تعرفها الإدارات، فتأسيس مقاولة أو شركة يتطلب المرور بإجراءات طويلة تجعل الشباب يعدلون في الأساس عن فكرة تأسيس المشاريع الاستثمارية الخاصة التي من شأنها أن تخلق فرص الشغل.
ثالثًا: آثار البطالة النفسية والاجتماعية
-
الإحباط وفقدان الثقة بالنفس :
يشعر الشاب العاطل بأنه غير منتج، ما يؤثر على صحته النفسية بحيث يدخل في اضطرابات نفسية من اكتئاب وقلق وتوتر مستمر نتيجة ضغط الظروف الاجتماعية، وقد يؤدي به الى سلوك طرق ملتوية أو الانحراف في بعض الحالات، مثل تعاطي السرقة والانتشال.
-
تفشي بعض السلوكيات السلبية :
كالتطرف أو الهجرة غير الشرعية أو الإدمان على المخدرات، نتيجة فقدان الأمل والشعور بالتهميش.
رابعًا: الحلول الممكنة
-
مواءمة التعليم مع احتياجات السوق :
ينبغي تطوير المناهج لتُركّز على المهارات العملية، والتفكير النقدي، والريادة، بمعنى أن يجب أن يكون هناك تعاون بين القطاع العام (الدولة ومؤسساتها) والقطاع الخاص (الشركات…)، من أجل تحديد الأولويات المطلوبة على مستوى سوق الشغل، ومن تم اعتماد التخصصات المنتجة التي لها علاقة مباشرة بسوق العمل.
-
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة :
من خلال توفير تمويل ميسر، وإرشاد إداري وتدريبي، بل شحذ همم الشباب وتشجيعهم في اتخاذ مبادرة الاستثمار، والأخذ بأيديهم إلى غاية وقوف مشاريعهم على وتمكنهم من حصد الأرباح.
-
تشجيع الاقتصاد الرقمي والعمل الحر :
الإنترنت يوفر فرصًا هائلة للعمل عن بُعد أو في التجارة الإلكترونية، لذلك يجب على الحكومات والدولة إحداث إطار قانوني ينظم هذا المجال، ويعطي الفرص للشباب للابتكار والاستثمار، وذلك لتقليص الضغط على فرص الشغل والتوظيف في القطاع الحكومي.
-
تحفيز القطاع الخاص :
عبر تقديم حوافز ضريبية وتشريعية لتوظيف الشباب وتدريبهم، وتحسين شروط عمل الشباب في هذا القطاع، على مستوى شروط السلامة والصحة، وحماية حياة الأفراد، وتوفير أجر معقول يوفر العيش بكرامة.
خاتمة: الأمل في التغيير يبدأ من التخطيط
البطالة ليست قدرًا محتومًا، بل هي نتاج خيارات يمكن تعديلها، حين تتضافر الجهود بين الحكومات والمؤسسات والقطاع الخاص والمجتمع، تُصبح معالجة البطالة ممكنة، وتُفتح أمام الشباب آفاق جديدة للحياة والكرامة والإبداع.